الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
هـذا تفسير آيات أشكلت حتى لا يوجد في طائفة من (كتب التفسير) إلا ما هو خطأ: منها قوله: قلت: الصواب ذكر أقوال السلف، وإن كان فيها ضعيف فالحجة تبين ضعفه، فلا يعدل عن ذكر أقوالهم لموافقتها قول طائفة من المبتدعة، وهم ينقلون عن بعض السلف أن هذه الآية أخطأ فيها الكاتب كما قيل فى غيرها، ومن أنكر شيئا من القرآن بعد تواتره استتيب، فإن تاب وإلا قتل، وأما قبل تواتره عنده فلا يستتاب، لكن يبين له، وكذلك الأقوال التى جاءت الأحاديث بخلافها؛ فقها، وتصوفا، واعتقاداً، وغير ذلك . وقول مجاهد صحيح، كما في الحديث الصحيح: (إذا أذنب العبد نكتَ فى قلبه نكتة سوداء) إلخ..، والذي يغشى القلب يسمى (رَيْناً) و(طَبْعاً) و(خَتْماً) و (قُفْلا) ونحو ذلك، فهذا ما أصر عليه. و(إحاطة الخطيئة): إحداقها به فلا يمكنه الخروج، وهذا هو البَسْل بما كسبت نفسه، أي: تحبس عما فيه نجاتها فى الدارين؛ فإن المعاصي قيد وحبس لصاحبها عن الجَوَلان فى فضاء التوحيد، وعن جَنْى ثمار الأعمال الصالحة. ومن المنتسبين إلى السنة من يقول: إن صاحب الكبيرة يعذب مطلقاً،والأكثرون على خلافه، وأن الله ـ سبحانه ـ يزن الحسنات والسيئات، وعلى هذا دل الكتاب والسنة وهو معنى الوزن، لكن تفسير السيئة بالشرك هو الأظهر؛ لأنه ـ سبحانه ـ غاير بين المكسوب والمحيط، فلو كان واحداً لم يغاير، والمشرك له خطايا غير الشرك أحاطت به لأنه لم يتب منها. وأيضا، قوله: {سَيِّئَةً} نكرة، وليس المراد جنس السيئات بالاتفاق . وأيضا، لفظ (السيئة) قد جاء فى غير موضع مرادا به الشرك وقوله: {سَيِّئَةً} أي:حال سيئة أو مكان سيئة ونحو ذلك،كما في قوله:
وقال شيخ الإِسَلام ـ قدَّسَ اللَّه روحهُ : قال الله تعالى: ولهذا اختلف الناس في هذه المسألة، فطائفة من المتكلمين من أصحابنا وغيرهم ـ كالقاضي وابن عقيل [هو أبو الوفاء على بن عقيل البغدادى، عالم العراق وشيخ الحنابلة ببغداد فى وقته، اشتغل بمذهب المعتزلة فى حداثته، وقال عنه ابن حجر: نعم كان معتزليا، ثم أشهد على نفسه أنه تاب عن ذلك وصحت توبته، له تصانيف كثيرة، منها ـ كتاب الفنون ـ الذى يزيد على أربعمائة مجلد، توفى سنة 315هـ] وابن الزاغونى [هو أبو الحسن على بن عبيد الله بن نصر بن الزاغونى، مؤرخ فقيه، من أعيان الحنابلة، له تصانيف كثيرة فى الفقه والأصول والحديث، منها:الإقناع والواضح وغيرهما . ولد سنة 455 هـ، وتوفى سنة 527 هـ] يقولون بقياس الغائب على الشاهد، ويريدون بالغائب الله، ويقولون: قياس الغائب على الشاهد ثابت بالحد والعلة والدليل والشرط. كما يقولون فى مسائل الصفات في إثبات العلم والخبرة والإرادة وغير ذلك. وأنكر ذلك عليهم طائفة منهم الشيخ أبو محمد فى رسالته إلى أهل رأس العين، وقال: لا يسمى الله غائباً،واستدل بما ذكر . وفصل الخطاب بين الطائفتين:أن اسم (الغيب والغائب) من الأمور الإضافية يراد به ما غاب عنا فلم ندركه،ويراد به ما غاب عنا فلم يدركنا؛وذلك لأن الواحد منا إذا غاب عن الآخر مغيبا مطلقاً لم يدرك هذا هذا ولا هذا هذا، والله ـ سبحانه ـ شهيد على العباد، رقيب عليهم، مهيمن عليهم، لا يعزب عنه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء، فليس هو غائباً، وإنما لما لم يره العباد كان غيبا؛ولهذا يدخل فى الغيب الذى يؤمن به وليس هو بغائب؛ فـإن (الغائب) اسم فاعـل مـن قـولك:غـاب يغيب فهـو غائب والله شاهـد غير غائب، وأما (الغيب) فهو مصدر غاب يغيب غيباً، وكثيراً ما يوضع المصدر موضع الفاعل كالعدل والصوم والزور، وموضع المفعول كالخلق والرزق ودرهم ضرب الأمير. ولهذا يقرن الغيب بالشهادة، وهى أيضاً مصدر، فالشهادة هى المشهود أو الشاهد، والغيب هو إما المغيب عنه فهو الذى لا يشهد نقيض الشهادة، وإما بمعنى الغائب الذي غاب عنا فلم نشهده فتسميته باسم المصدر فيه تنبيه على النسبة إلى الغير، أى:ليس هو بنفسه غائبا، وإنما غاب عن الغير أو غاب الغير عنه. وقد يقال:اسم (الشهادة،والغيب) يجمع النسبتين، فالشهادة ما شهدنا وشهدناه، والغيب ما غاب عنا وغبنا عنه فلم نشهده، وعلى كل تقدير فالمعنى فى كونه غيبا هو انتفاء شهود ناله، وهذه تسمية قرآنية صحيحة، فلو قالوا: قياس الغيب على الشهادة لكانت العبارة موافقة، وأما قياس الغائب ففيه مخالفة فى ظاهر اللفظ ولكن موافقة فى المعنى؛ فلهذا حصل فى إطلاقه التنازع.
وقال شيخ الإِسَلام ـ قدَّسَ اللَّه روحهُ : المثل فى الأصل: هو الشبيه وهو نوعان؛ لأن القضية المعينة إما أن تكون شبهاً معيناً أو عاما كليا؛ فإن القضايا الكلية التى تعلم وتقال هى مطابقة مماثلة لكل ما يندرج فيها، وهذا يسمى قياساً في لغة السلف واصطلاح المنطقيين. وتمثيل الشىء المعين بشىء معين هو ـ أيضاً ـ يسمى قياساً فى لغة السلف واصطلاح الفقهاء، وهو الذى يسمى قياس التمثيل. ثم من متأخرى العلماء ـ كالغزالى وغيره ـ من ادعى أن حقيقة القياس إنما يقال على هذا، وما يسميه تأليف القضايا الكلية قياساً فمجاز من جهة أنه لم يشبه فيه شىء بشىء، وإنما يلزم من عموم الحكم تساوى أفراده فيه، ومنهم من عكس كأبى محمد ابن حزم، فإنه زعم أن لفظ القياس إنما ينبغى أن يكون فى تلك الأمور العامة وهو القياس الصحيح. والصواب ما عليه السلف من اللغة الموافقة لما فى القرآن ـ كما سأذكره ـ أن كليهما قياس وتمثيل واعتبار، وهو فى قياس التمثيل ظاهر، وأما قياس التكليل والشمول فلأنه يقاس كل واحد من الأفراد بذلك المقياس العام الثابت فى العلم والقول، وهو الأصل، كما يقاس الواحد بالأصل الذى يشبهه، فالأصل فيهما هو المثل،والقياس هو ضرب المثل، وأصله ـ والله أعلم ـ تقديره، فضرب المثل للشىء تقديره له،كما أن القياس أصله تقدير الشىء بالشىء،ومنه ضرب الدرهم وهو تقديره، وضرب الجزية والخراج وهو تقديرهما، والضريبة المقدرة والضرب فى الأرض، لأنه يقدر أثر الماشى بقدره، وكذلك الضرب بالعِصِىّ لأنه تقدير الألم بالآلة، وهو جمعه وتأليفه وتقديره، كما أن الضريبة هى المال المجموع والضريبة الخلق، وضرب الدرهم جمع فضة مؤلفة مقدرة، وضرب الجزية والخراج إذا فرضه وقدره على مر السنين، والضرب فى الأرض الحركات المقدرة المجموعة إلى غاية محدودة،ومنه تضريب الثوب المحشو وهو تأليف خلله طرائق طرائق. ولهذا يسمون الصورة القياسية الضرب،كما يقال للنوع الواحد: ضرب؛ لتألفه واتفاقه،وضرب المثل لما كان جمعاً بين علمين يطلب منهما علم ثالث، كان بمنزلة ضراب الفحل الذى يتولد عنه الولد؛ ولهذا يقسمون الضرب إلى ناتج وعقيم، كما ينقسم ضرب الفحل للأنثى إلى ناتج وعقيم، وكل واحد من نوعى ضرب المثل ـ وهو القياس ـ تارة يراد به التصوير وتفهيم المعنى، وتارة يراد به الدلالة على ثبوته والتصديق به، فقياس تصور وقياس تصديق، فتدبر هذا. وكثيراً ما يقصد كلاهما، فإن ضرب المثل يوضح صورة المقصود وحكمه. وضرب الأمثال فى المعانى نوعان، هما نوعا القياس: أحدهما: الأمثال المعينة التى يقاس فيها الفرع بأصل معين موجود أو مقدر، وهى فى القرآن بضع وأربعون مثلا،كقوله: فإن التمثيل بين الموصوفين الذين يذكرهم من المنافقين، والمنفقين والمخلصين منهم والمرائين، وبين ما يذكره ـ سبحانه ـ من تلك الأمثالهو من جنس قياس التمثيل، الذى يقال فيه: مثل الذى يقتل بكودتى القَصَّار [كودتا القَصّار: هما خشبتا القصار. والقصار: هو المحور والمهذب للثياب؛ لأنه يدقها بالقصرة. انظر: لسان العرب، مادة: قصر] كمثل الذى يقتل بالسيف، ومثل الهرة تقع فى الزيت كمثل الفأرة تقع فى السمن ونحو ذلك، ومبناه على الجمع بينهما، والفرق فى الصفات المعتبرة فى الحكم المقصود إثباته أو نفيه، وقوله: مثله كمثل كذا، تشبيه للمثل العلمى بالمثل العلمى؛ لأنه هو الذى بتوسطه يحصل القياس، فإن المعتبر ينظر فى أحدهما فيتمثل فى علمه، وينظر فى الآخر فيتمثل فى علمه ثم يعتبر أحد المثلين بالآخر فيجدهما سواء، فيعلم أنهما سواء فى أنفسهما لاستوائهما فى العلم، ولا يمكن اعتبار أحدهما بالآخر فى نفسه حتى يتمثل كل منهما فى العلم، فإن الحكم على الشىء فرع على تصوره؛ ولهذا ـ والله أعلم ـ يقال: مثل هذا كمثل ... [بياض بالأصل]. وبعض المواضع يذكرـ سبحانه ـ الأصل المعتبر به ليستفاد حكم الفرع منه من غير تصريح بذكر الفرع، كقوله: ونظير ذلك ذكر القصص، فإنها كلها أمثال هى أصول قياس واعتبار، ولا يمكن هناك تعديد ما يعتبر بها، لأن كل إنسان له فى حالة منها نصيب، فيقال فيها: النوع الثانى: الأمثال الكلية، وهذه التى أشكل تسميتها أمثالا، كما أشكل تسميتها قياساً، حتى اعترض بعضهم قوله: وهذه الأمثال تارة تكون صفات، وتارة تكون أقيسة، فإذا كانت أقيسة فلابد فيها من خبرين هما قضيتان وحكمان، وأنه لابد أن يكون أحدهما كلياً؛ لأن الأخبار التى هى القضايا لما انقسمت إلى معينة ومطلقة وكلية وجزئية، وكل من ذلك انقسم إلى خبر عن إثبات وخبر عن نفى، فضرب المثل الذى هو القياس لابد أن يشتمل على خبر عام وقضية كلية، وذلك هو المثل الثابت فى العقل الذى تقاس به الأعيان المقصود حكمها، فلولا عمومه لما أمكن الاعتبار لجواز أن يكون المقصود حكمه خارجاً عن العموم؛ ولهذا يقال: لا قياس عن قضيتين جزئيتين، بل لابد أن تكون إحداهما كلية، ولا قياس أيضا عن سالبتين، بل لابد أن تكون إحداهما موجبة، وإلا السلبان لا يدخل أحدهما فى الآخر، لابد فيه من خبر يعم. وجملة ما يضرب من الأمثال ستة عشر؛ لأن الأولى إما جزئية وإما كلية، مثبتة أو نافية، فهذه أربعة إذا ضربتها فى أربعة صارت ستة عشر، تحذف منهمـا الجزئيتين سواء كانتا موجبتين أو سالبتين، أو إحداهما سالبة والأخرى موجبة، فهذه ست من ستة عشر، والسالبتين سواء كانتا جزئيتين أو كليتين، أو إحداهما دون الأخرى، لكن إذا كانتا جزئيتين سالبتين فقد دخلت فى الأول، يبقى ضربان محذوفين مـن ستة عشر. ويحذف منهما السالبة الكلية الصغرى مع الكبرى الموجبة الجزئية؛ لأن الكبرى إذا كانت جزئية لم يجب أن يلاقيها السلب، بخلاف الإيجاب، فإن الإيجابين الجزئيين يلتقيان، وكذلك الإيجاب، الجزئى مع السلب الكلى يلتقيان لاندراج ذلك الموجب تحت السلب العام. يبقى من الستة عشر ستة أضرب، فإذا كانت إحداهما موجبة كلية جاز فى الأخرى الأقسام الأربعة، وإذا كانت سالبة كلية جاز أن تقارنها الموجبتان، لكن تقدم مقارنة الكلية لها، ولابد فى الجزئية أن تكون صغرى، وإذا كانت موجبة جزئية جاز أن تقارنها الكليتان، وقد تقدمتا، وإذا كانت سالبة جزئية لم يجز أن يقارنها إلا موجبة كلية، وقد تقدمت، فيقر الناتج ستة، والملغى عشرة، وبالاعتبارين تصير ثمانية. فهذه الضروب العشرة مدار ثمانية منها على الإيجاب العام، ولابد فى جميع ضروبه من أحد أمرين، إما إيجاب وعموم، وإما سلب وخصوص، فنقيضان لا يفيد اجتماعهما فائدة، بل إذا اجتمع النقيضان من نوعين كسالبة كلية وموجبة جزئية فتفيد بشرط كون الكبري هي العامة، فظهر أنه لابد في كل قياس من ثبوت وعموم، إما مجتمعين في مقدمة وإما مفترقين في المقدمتين. وأيضاً، مما يجب أن يعلم أن غالب الأمثال المضروبة والأقيسة، إنما يكون الخفى فيها إحدى القضيتين، وأما الأخرى فجلية معلومة، فضارب المثل وناصب القياس إنما يحتاج أن يبين تلك القضية الخفية، فيعلم بذلك المقصود لما قاربها فى الفعل من القضية السلبية والجلية هى الكبرى التى هى أعم. فإن الشىء كلما كان أعم كان أعرف فى العقل لكثرة مرور مفرداته فى العقل، وخير الكلام ما قل ودل؛ فلهذا كانت الأمثال المضروبة فى القرآن تحذف منها القضية الجلية لأن فى ذكرها تطويلاً وعِيّا، وكذلك ذكر النتيجة المقصودة بعد ذكر المقدمتين يعد تطويلا. واعتبر ذلك بقوله: ولهذا كان المؤلفون للأقيسة يتكلمون أولاً فى مفردات الألفاظ والمعانى التى هى الأسماء، ثم يتكلمون فى تأليف الكلمات من الأسماء الذى هو الخبر والقضية والحكم، ثم يتكلـمون فى تأليـف الأمثـال المضـروبة الذى هو (القـياس) و (البرهان) و (الدلـيل) و(الآيـة) و(العلامة). فهذا مما ينبغى أن يتفطن له، فإن من أعظم كمال القرآن تركه فى أمثاله المضروبة وأقيسته المنصوبة لذكر المقدمة الجلية الواضحة المعلومة،ثم اتباع ذلك بالأخبار عن النتيجة التى قد علم من أول الكلام أنها هى المقصود؛ بل إنما يكون ضرب المثل بذكر ما يستفاد ذكره وينتفع بمعرفته، فذلك هو البيان، وهو البرهان، وأما ما لا حاجة إلى ذكره فذكره عىٌّ. وبهذا يظهر لك خطأ قوم من البيانيين الجهال والمنطقيين الضُّلال حيث قال بعض أولئك:الطريقة الكلامية البرهانية فى أساليب البيان ليست فى القرآن إلا قليلا، وقال الثانى: إنه ليس فى القرآن برهان تام، فهؤلاء من أجهل الخلق باللفظ والمعنى، فإنه ليس فى القرآن إلا الطريقة البرهانية المستقيمة لمن عَقَل وتدبر. وأيضاً، فينبغى أن يعرف أن مضار ضرب المثل ونصب القياس على العموم والخصوص والسلب والإيجاب؛ فإنه ما من خبر إلا وهو إما عام أو خاص؛ سالب أو موجب، فالمعين خاص محصور، والجزئى أيضاً خاص غير محصور، والمطلق إما عام وإما فى معنى الخاص. فينبغى لمن أراد معرفة هذا الباب أن يعرف صيغ النفى والعموم؛ فإن ذلك يجىء فى القرآن على أبلغ نظام. مثال ذلك: أن (صيغة الاستفهام) يحسب من أخذ ببادئ الرأى أنها لا تدخل فى القياس المضروب؛ لأنه لا يدخل فيه إلا القضايا الخبرية، وهذه طلبية، فإذا تأمل وعلم أن أكثر استفهامات القرآن ـ أو كثيراً منها ـ إنما هى استفهام إنكار معناه الذم والنهى إن كان إنكاراً شرعياً، أو معناه النفى والسلب إن كان إنكار وجود ووقوع، كما فى قوله: وهذا الذى ذكرناه الذى جاء به القرآن هو ضرب الأمثال من جهة المعنى، وقد يعبر فى اللغة بضرب المثل أو بالمثل المضروب عن نوع من الألفاظ،فيستفاد منه التعبير كما يستفاد من اللغة، لكن لايستفاد منه الدليل على الحكم كأمثال القرآن، وهو أن يكون الرجل قد قال كلمة منظومة أو منثورة لسبب اقتضاه فشاعت فى الاستعمال، حتى يصار يعبر بها عن كل ما أشبه ذلك المعنى الأول، وإن كان اللفظ فى الأصل غير موضوع لها، فكأن تلك الجملة المثلية نقلت بالعرف من المعنى الخاص إلى العام كما تنقل الألفاظ المفردة، فهذا نقل فى الجملة مثل قولهم:(يداك أوْكتََا، وفُوكَ نَفَخ) هو مواز لقولهم:(أنت جنيت هذا)؛ لأن هذا المثل قيل ابتداء لمن كانت جنايته بالإيكاء والنفخ، ثم صار مثلا عاماً، وكذلك قولهم: (الصَّيْف ضَيَّعْتِ اللبن) [هذا المثل فى الأصل خوطبت به امرأة، وهى دختنوس بنت لقيط بن زرارة، كانت تحب عمرو بن عمرو بن عدس، وكان شيخا كبيرا، ففركته فطلقها، ثم تزوجها فتى جميل الوجه، وأجدبت، فبعثت إلى عمرو تطلب منه حلوبة، فقال عمرو:(فى الصيف ضيعتِ اللبن). وإنما خص الصيف لأن سؤالها الطلاق كان في الصيف، وهذا المثل يضرب لمن يطلب شيئا قد فوته على نفسه] مثل قولك: (فرطت وتركت الحزم، وتركت ما يحتاج إليه وقت القدرة عليه حتى فات)، وأصل الكلمة قيلت للمعنى الخاص. وكذلك (عَسَى الغُوَيْرُ أبْؤُسَا) أى:أتخاف أن يكون لهذا الظاهر الحسن باطن ردىء؟ فهذا نوع من البيان يدخل فى اللغة والخطاب، فالمتكلم به حكمه حكم المبين بالعبارة الدالة، سواء كان المعنى فى نفسه حقاً أو باطلا؛ إذ قد يتمثل به فى حق من ليس كذلك، فهذا تطلبه فى القرآن من جنس تطلب الألفاظ العرفية، فهو نظر فى دلالة اللفظ على المعنى لا نظر فى صحة المعنى ودلالته على الحكم، وليس هو المراد بقوله: وهذه الأمثال اللغوية أنواع، موجود فى القرآن منها أجناسها، وهى مُعْلِنة ببلاغة لفظه ونظمه وبراعة بيانه اللفظى، والذين يتكلمون فى علم البيان وإعجاز القرآن يتكلمون فى مثل هذا، ومن الناس من يكون أول ما يتكلم بالكلمة صارت مثلا، ومنهم من لا تصير الكلمة مثلا حتى يتمثل بها الضارب فيكون هذا أول من تمثل بها، كقوله صلى الله عليه وسلم: (الآن حَمِىَ الوَطِيسُ) [الوطيس: شبه التَّنُّور، عبر عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق]، وكقوله: (مِسْعَرُ حَرْب) ونحو ذلك، لكن النفى بصيغة الاستفهام المضمن معنى الإنكار هو نفى مضمن دليل النفى، فلا يمكن مقابلته بمنع، وذلك أنه لا ينفى باستفهام الإنكار إلا ما ظهر بيانه أو ادعى ظهور بيانه، فيكون ضاربه إما كاملا فى استدلاله وقياسه وإما جاهلاً، كالذى قال: إذا تبين ذلك، فالأمثال المضروبة فى القرآن منها ما يصرح فيه بتسميته مثلا، ومنها ما لا يسمى بذلك...[بياض بالأصل] ومن هذا الباب قوله:{لاَّ أَقُولُ لَكُمْ} الآية [هود:31]، ويسمى جدالا أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ} [إبراهيم:18]، كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ} [الإسراء:48] في موضعين، لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ} الآية[الروم:58]،
هذه تفسير آيات أشكلت حتى لا يوجد فى طائفة من (كتب التفسير) إلا ما هو خطأ فيها. منها قوله: والنبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يجيب بما لا علم عنده، وقد ثبت أنه أثنى على من مات فى الفَتْرَة [الفًتْرَة: ما بين كل نَبِيًّن]، كزيد بن عمرو وغيره، ولم يذكر ابن أبى حاتم خلافا عن السلف، لكن ذكر عن ابن عباس ثم أنزل اللّه: وظن بعض الناس أن الآية فيمن بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، فغلطوا، ثم افترقوا على أقوال متناقضة.
وقال شيخ الإسلام ـ قدَّسَ اللَّه روحهُ: قسم اللّه من ذمه من أهل الكتاب إلى مُحَرِّفين وأمِّييّن، حيث يقول: وفى هذا عبرة لمن ركب سُنَّتَهم من أمتنا؛ فإن المنحرفين فى نصوص الكتاب والسنة ـ كالصفات ونحوها من الأخبار والأوامرـ قوم يحرفونه إما لفظاً وإما معنى، وهم النافون لما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم جحوداً وتعطيلا، ويدعون أن هذا موجب العقل الصريح القاضى على السمع. وقوم لا يزيدون على تلاوة النصوص لا يفقهون معناها، ويدعون أن هذا موجب السمع الذى كان عليه السلف، وأن اللّه لم يرد من عباده فهم هذه النصوص، فهم ثم يصنف أقوام علوما يقولون: إنها دينية، وإن النصوص دلت عليها والعقل، وهى دين الله مع مخالفتها لكتاب الله، فهؤلاء الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون:هو من عند اللّه بوجه من الوجوه. فتدبر كيف اشتملت هذه الآيات على الأصناف الثلاثة، وقوله فى صفة أولئك:
فأجــاب: أما قوله:
قَال أبو العبَّاس أحْمَد بن تيمية ـ رَحِمهُ اللَّه تعالى : فى قوله تعالى: أحدهما: أن القصاص هو القَوَد، وهو أخذ الدية بدل القتل،كما جاء عن ابن عباس أنه كان فى بنى إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية، فجعل اللّه فى هذه الأمة الدية فقال: ويحتج بها طائفة من أصحاب مالك والشافعى وأحمد على أن الحر لا يقتل بالعبد؛ لقوله: القول الثانى: أن القصاص فى القتلى يكون بين الطائفتين المقتتلتين قتال عَصَبِيَّة وجاهلية، فيقتل من هؤلاء ومن هؤلاء أحرار وعبيد ونساء، فأمر الله ـ تعالى ـ بالعدل بين الطائفتين، بأن يقاص دية حر بدية حر، ودية امرأة بدية امرأة، وعبد بعبد، فإن فضل لإحدى الطائفتين شىء بعد المقاصة فلتتبع الأخرى بمعروف، ولتؤد الأخرى إليها بإحسان، وهذا قول الشَّعْبِى وغيره، وقد ذكره محمد بن جرير الطبرى وغيره، وعلى هذا القول فإنه إذا جعل ظاهر الآية لزمته إشكالات،لكن المعنى الثانى هو مدلول الآية ومقتضاه ولا إشكال عليه، بخلاف القول الأول يستفاد من دلالة الآية، كما سننبه عليه إن شاء [في المطبوعة: ـ إنشاد ـوهو خطأ] الله تعالى، وما ذكرناه يظهر من وجوه: أحدها: أنه قال: وأيضاً فإنه قال: وأيضا، فنفس انقياد القاتل للولى ليس هو قصاصا، بل الولي له أن يقتص وله ألا يقتص، وإنما سمى هذا قوداً لأن الولى يقوده، وهو بمنزلة تسليم السلعة إلى المشترى، ثم قال تعالى: الثانى: أنه قال: الثالث: أنه قال: وقد قال بعضهم: {مِنْ أَخِيهِ} أى:من دم أخيه، أى:ترك له القتل ورضى بالدية، والمراد القاتل، يعنى: إن القاتل عفى له من دم أخيه المقتول، أى: ترك له القتل، فيكون التقدير: أن الولى عفـى للقاتل من دم المقتول شيئاً، وهذا كلام لا يعرف، لا يقال: عفوت لك شيئاً، ولا يقال: عفوت من دم القاتل، وإنما الذى يقال:إنه عفا عن القاتل، فأين هذا من هذا؟ وأما على القول الأول، فالمتقاصان إذا تعادى القتلى فمن عفى له، أى: فضل له من مقاصة أخيه مقاصة أخرى، أى:هذا الذى فضل له فضل كما يقال: أبقى له من جهة أخيه بقية وقوله: وأما إذا قتل رجل رجلا من غير فتنة فهم كانوا يعرفون أن القاتل يقتل، لكن كانت الطائفة القوية تطلب أن تقتل غير القاتل، أو من هو أكثر من القاتل، أو اثنين بواحد، وإذا كان القاتل منها لم تقتل به من هو دونه، كما قيل: إنه كان بين قريظة والنضير، لكن هذا لم تُثَر به الفتن، بل فيه ظلم الطائفة القوية للضعيفة، ولم يكن فى الأمم من يقول: إن القاتل الظالم المتعدى مطلقاً لا يقتل، فهذا لم يكن عليه أحد من بنى آدم، بل كل بنى آدم مطبقون على أن القاتل فى الجملة يقتل، لكن الظلمة الأقوياء يفرقون بين قتيل وقتيل. وقول من قال: إن قوله: وقد ذكر ـ سبحانه ـ هذا المعنى فى قوله: ودلت الآية ـ حينئذ ـ على أن الحر يقتل بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى؛ إذا كانا متساويين فى الدم، وبدله هو الدية، ولم ينتف أن يقتل عبد بحر وأنثى بذكر، ولا لها مفهوم ينفى ذلك، بل كما دلت على ذلك بطريق التنبيه والفحوى والأولى، كذلك تدل على هذا أيضاً؛ فإنه إذا قتل العبد بالعبد فقتله بالحر أولى، وإذا قتلت المرأة بالمرأة فقتلها بالرجل أولى. وأما قتل الحر بالعبد والذكر بالأنثى فالآية لم تتعرض له لا بنفى ولا إثبات، ولا لها مفهوم يدل عليه، لا مفهوم موافقة ولا مخالفة؛ فإنه إذا كان فى المقاصة يقاس الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى لتساوى الديات، دل ذلك على قتل النظير بالنظير، والأدنى بالأعلى. يبقى قتل الأعلى الكثير الدية بالأدنى القليل الدية، ليس فى الآية تعرض له؛ فإنه لم يقصد بها ابتداء القود، وإنما قصد المقاصة فى القتلى لتساوى دياتهم. فإن قيل:دية الحر كدية الحر، ودية الأنثى كدية الأنثى،ويبقى العبيد قيمتهم متفاضلة؟ قيل: عبيدهم كانوا متقاربين القيمة، وقوله: فــظهر حكمة قوله: ودلت الآية على أن القتلى يؤخذ لهم ديات، فدل على ثبوت الدية على القاتل، وأنها مختلفة باختلاف المقتولين،وهذا مما مَنَّ الله به على أمة محمد صلى الله عليه وسلم،حيث أثبت القصاص والدية. وأما كون العفو هو قبول الدية فى العمد، وأنه يستحق العافى بمجرد عفوه ـ فالآية لم تتعرض لهذا. ودلت هذه الآية على أن الطوائف المقتتلة تضمن كل منهما ما أتلفته الأخرى؛ من دم ومال بطريق الظلم؛ لقوله: وأما القتال بتأويل (كقتال أهل الجمل وصِفِّين) فلا ضمان فيه ـ أيضا ـ بطريق الأولى عند الجمهور،فإنه إذا كان الكفار المتأولون لا يضمنون،فالمسلمون المتأولون أولى ألا يضمنوا. ودلت الآية على أن هذا الضمان على مجموع الطائفة يستوى فيه الرِّدْء [الرًّدْءُ: المعين. انظر: المصباح المنير، مادة: ردؤ] والمباشر، لا يقال: انظروا من قتل صاحبكم هذا فطالبوه بديته بل يقال:ديته عليكم كلكم، فإنكم جميعاً قتلتموه؛ لأن المباشر إنما تمكن بمعاونة الردء له، وعلى هذا دل قوله: ولهذا لما قتل خالد من قتل من بنى جذيمة وَدَاهُم النبى صلى الله عليه وسلم من عنده؛ لأن خالداً نائبه وهو لا يمكنهم من مطالبته وحبسه لأنه متأول، وكذلك عَمرو بن أمية وقاتله خالد بن الوليد؛ لأنه قتل هذا على سبيل الجهاد لا لعداوة تخصه، وقد تنازع الفقهاء فى خطأ ولى الأمر؛ هل هو فى بيت المال أو على ذمته؟ على قولين. ولهذا كان ما غنمته السَّرِيَّة يشاركها فيه الجيش، وما غنمه الجيش شاركته فيه السرية؛ لأنه إنما يغنم بعضهم بظهر بعض، فإذا اشتركوا فى المغرم اشتركوا فى المغنم، وكذلك فى العقوبة يقتل الرِّدْء والمباشر من المحاربين عند جماهير الفقهاء،كما قتل عمر ـ رضى اللّه عنه ـ ربيئة [أى طليعة. انظر: المصباح، مادة: ربأ] المحاربين، وهو قول مالك وأبى حنيفة وأحمد، وهو مذهب مالك فى القتل قوداً، وفى السراق ـ أيضاً. وبيان دلالة الآية على ذلك: أن المقتولين إذا حبس حر بحر وعبد بعبد وأنثى بأنثى، فالحر من هؤلاء ليس قاتله هو ولى الحر من هؤلاء، بل قد يكون غيره،وكذلك العبد من هؤلاء ليس قاتله هو سيد العبد من هؤلاء بل قد يكون غيره،لكن لما كانوا مجتمعين متناصرين على قتال أولئك ومحاربتهم كان من قتله بعضهم فكلهم قتله، وكلهم يضمنونه؛ ولهذا ما فضل لأحد الطائفتين يؤخذ من مال الأخرى. فإن قيل: إذا كان مستقراً فى فِطَر بنى آدم أن القاتل الظالم لنظيره يستحق أن يقتل، وليس فى الآدميين من يقول: إنه لا يقتل، فما الفائدة فى قوله تعالى: قيل لهم: فائدته: بيان تساوى دماء بنى إسرائيل، وأن دماءهم متكافئة ليس لشريفهم مزية على ضعيفهم، وهذه الفائدة الجليلة التى جاءت بها شرائع الأنبياء، فأما الطوائف الخارجون عن شرائع الأنبياء فلا يحكمون بذلك مطلقاً، بل قد لا يقتلون الشريف، وإذا كان الملك عادلا فقد يفعل بعض ذلك، فهذا الذى كتبه الله فى التوراة من تكافؤ دمائهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، فحكم أيضاً فى المؤمنين به من جميع الأجناس بتكافؤ دمائهم، فالمسلم الحر يقتل بالمسلم الحر من جميع الأجناس باتفاق العلماء. وبهذا ظهر الجواب عن احتجاج من احتج بآية التوراة على أن المسلم يقتل بالذمى؛ لقوله: وليس فى العبد نصوص صريحة صحيحة كما فى الذمى، بل ما روى: (من قتل عبده قتلناه به)، وهذا لأنه إذا قتله ظالماً كان الإمام ولى دمه؛ لأن القاتل كما لا يرث المقتولَ إذا كان حراً، فكذلك لا يكون ولى دمه إذا كان عبداً، بل هذا أولى،كيف يكون دمه وهو القاتل؟ بل لا يكون ولى دمه، بل ورثة القاتل السيد، لأنهم ورثته وهو بالحياة ولم يثبت له ولاية حتى تنتقل إليهم فيكون وليه الإمام. وحينئذ فللإمام قتله، فكل من قتل عبده كان للإمام أن يقتله. و أيضا، فقد ثبت بالسنة والآثار أنه إذا مَثّل بعبده عتق عليه، وهذا مذهب مالك وأحمد وغيرهما، وقتله أشد أنواع المثْل، فلا يموت إلا حراً، لكن حريته لم تثبت فى حال الحياة حتى يرثه عصبته، بل حريته ثبتت حكما، وهو إذا كان عتق كان ولاؤه للمسلمين، فيكون الإمام هو وليه، فله قتل قاتل عبده. وقد يحتج بهذا من يقول: إن قاتل عبد غيره لسيده قتله، وإذا دل الحديث على هذا كان هذا القول هو الراجح، والقول الآخر ليس معه نص صريح ولا قياس صحيح، وقد قال الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم: من قتل ولا ولى له كان الإمام ولى دمه، فله أن يقتل، وله أن يعفو على الدية، لا مجاناً. يؤيد هذا أن من قال: لا يقتل حر بعبد يقول: إنه لا يقتل الذمى الحر بالعبد المسلم، قال اللّه ـ تعالى ـ فى كتابه:
قوله تعالى: قيل: السؤال لم يقع منهم إلا بعد وقوع القتال فى الشهر وتشنيع أعدائهم عليهم انتهاكه وانتهاك حرمته، وكان اهتمامهم بالشهر فوق اهتمامهم بالقتال، فالسؤال إنما وقع من أجل حرمة الشهر، فلذلك قدم فى الذِّكْر، وكان تقديمه مطابقا لما ذكرنا من القاعدة. فإن قيل: فما الفائدة فى إعادة ذكر القتال بلفظ الظاهر، وهلا اكتفى بضميره فقال: هو كبير؟ وأنت إذا قلت: سألته عن زيد هو فى الدار كان أوجز من أن تقول: أزيد فى الدار؟ قيل: فى إعادته بلفظ الظاهر بلاغة بديعة، وهو تعليق الحكم الخبرى باسم القتال فيه عموماً، ولو أتى بالمضمر فقال: هو كبير، لتَوَهَّم اختصاص الحكم بذلك القتال المسؤول عنه. وليس الأمر كذلك؛ وإنما هو عام فى كل قتال وقع فى شهر حرام. ونظير هذه القاعدة قوله صلى الله عليه وسلم ـ وقد سئل عن الوضوء بماء البحر فقال: (هو الطَّهُور ماؤه)، فأعاد لفظ الماء ولم يقتصر على قوله: (نعم توضؤوا به)؛ لئلا يتوهم اختصاص الحكم بالسائلين لضرب من ضروب الاختصاص فعدل عن قوله:(نعم توضؤوا)إلى جواب عام يقتضى تعليق الحكم والطهور به بنفس مائه من حيث هو، فأفاد استمرار الحكم على الدوام، وتعلقه بعموم الأمة، وبطل توهم قصره على السبب، فتأمله فإنه بديع. فكذلك فى الآية لما قال: وقريب من هذا قوله تعالى: وقريب منه ـ وهو ألطف منه ـ قوله تعالى:
|