الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)
.مِنْ أَيْنَ أَتَى الضّرَرُ الْوَاقِعُ فِيهَا: فَإِنْ قُلْت: فَإِنْ كَانَ هَذَا شَأْنَ الْكَمْأَةِ فَمَا بَالُ هَذَا الضّرَرِ فِيهَا وَمِنْ أَيْنَ أَتَاهَا ذَلِكَ؟ فَاعْلَمْ أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ أَتْقَنَ كُلّ شَيْءٍ صُنْعَهُ وَأَحْسَنَ كُلّ شَيْءٍ خَلْقَهُ فَهُوَ عِنْدَ مَبْدَأِ خَلْقِهِ بَرِيءٌ مِنْ الْآفَاتِ وَالْعِلَلِ تَامّ الْمَنْفَعَةِ لِمَا هُيّئَ وَخُلِقَ لَهُ وَإِنّمَا تَعْرِضُ لَهُ الْآفَاتُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأُمُورٍ أُخَرَ مِنْ مُجَاوَرَةٍ أَوْ امْتِزَاجٍ وَاخْتِلَاطٍ أَوْ أَسْبَابٍ أُخَرَ تَقْتَضِي فَسَادَهُ فَلَوْ تُرِكَ عَلَى خِلْقَتِهِ الْأَصْلِيّةِ مِنْ غَيْرِ تَعَلّقِ أَسْبَابِ الْفَسَادِ بِهِ لَمْ يَفْسُدْ..قِلّةُ الْبَرَكَةِ وَالْآفَاتُ جَاءَتْ مِنْ كَثْرَةِ الْفَسَادِ: وَمَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَحْوَالِ الْعَالَمِ وَمَبْدَئِهِ يَعْرِفُ أَنّ جَمِيعَ الْفَسَادِ فِي جَوّهِ وَنَبَاتِهِ وَحَيَوَانِهِ وَأَحْوَالِ أَهْلِهِ حَادِثٌ بَعْدَ خَلْقِهِ بِأَسْبَابٍ اقْتَضَتْ حُدُوثَهُ وَلَمْ تَزَلْ أَعْمَالُ بَنِي آدَمَ وَمُخَالَفَتُهُمْ لِلرّسُلِ تُحْدِثُ لَهُمْ مِنْ الْفَسَادِ الْعَامّ وَالْخَاصّ مَا يَجْلِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْآلَامِ وَالْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ وَالطّوَاعِينِ وَالْقُحُوطِ وَالْجُدُوبِ وَسَلْبِ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ وَثِمَارِهَا وَنَبَاتِهَا وَسَلْبِ مَنَافِعِهَا أَوْ نُقْصَانِهَا أُمُورًا مُتَتَابِعَةً يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا فَإِنْ لَمْ يَتّسِعْ عِلْمُك لِهَذَا فَاكْتَفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ} [الرّومُ: 41] وَنَزّلْ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى أَحْوَالِ الْعَالَمِ وَطَابِقْ بَيْنَ الْوَاقِعِ وَبَيْنَهَا وَأَنْتَ تَرَى كَيْفَ تَحْدُثُ الْآفَاتُ وَالْعِلَلُ كُلّ وَقْتٍ فِي الثّمَارِ وَالزّرْعِ وَالْحَيَوَانِ وَكَيْفَ يَحْدُثُ مِنْ تِلْكَ الْآفَاتِ آفَاتٌ أُخَرُ مُتَلَازِمَةٌ بَعْضُهَا آخِذٌ بِرِقَابِ بَعْضٍ وَكُلّمَا أَحْدَثَ النّاسُ ظُلْمًا وَفُجُورًا أَحْدَثَ لَهُمْ رَبّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ الْآفَاتِ وَالْعِلَلِ فِي أَغْذِيَتِهِمْ وَفَوَاكِهِهِمْ وَأَهْوِيَتِهِمْ وَمِيَاهِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَخَلْقِهِمْ وَصُوَرِهِمْ وَأَشْكَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ مِنْ النّقْصِ وَالْآفَاتِ مَا هُوَ مُوجَبُ أَعْمَالِهِمْ وَظُلْمِهِمْ وَفُجُورِهِمْ. وَلَقَدْ كَانَتْ الْحُبُوبُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا أَكْبَرَ مِمّا هِيَ الْيَوْمَ كَمَا كَانَتْ أَعْظَمَ. وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ أَنّهُ وَجَدَ فِي خَزَائِنِ بَعْضِ بَنِي أُمَيّةَ صُرّةً فِيهَا حِنْطَةٌ أَمْثَالَ نَوَى التّمْرِ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا: هَذَا كَانَ يَنْبُتُ أَيّامَ الْعَدْلِ. وَهَذِهِ الْقِصّةُ ذَكَرَهَا فِي مُسْنَدِهِ عَلَى أَثَرِ حَدِيثٍ رَوَاهُ. وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ وَالْآفَاتِ الْعَامّةِ بَقِيّةُ عَذَابٍ عُذّبَتْ بِهِ الْأُمَمُ السّالِفَةُ ثُمّ بَقِيَتْ مِنْهَا بَقِيّةٌ مُرْصَدَةٌ لِمَنْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ بَقِيّةٌ مِنْ أَعْمَالِهِمْ حَكَمًا قِسْطًا وَقَضَاءً عَدْلًا وَقَدْ أَشَارَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ فِي الطّاعُونِ إنّهُ بَقِيّةُ رِجْزٍ أَوْ عَذَابٍ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَذَلِكَ سَلّطَ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الرّيحَ عَلَى قَوْمٍ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيّامٍ ثُمّ أَبْقَى فِي الْعَالَمِ مِنْهَا بَقِيّةً فِي تِلْكَ الْأَيّامِ وَفِي نَظِيرِهَا عِظَةٌ وَعِبْرَةٌ. وَقَدْ جَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ أَعْمَالَ الْبَرّ وَالْفَاجِرِ مُقْتَضِيَاتٍ لِآثَارِهَا فِي هَذَا الْعَالَمِ اقْتِضَاءً لَابُدّ مِنْهُ فَجَعَلَ مَنْعَ الْإِحْسَانِ وَالزّكَاةِ وَالصّدَقَةِ سَبَبًا لِمَنْعِ الْغَيْثِ مِنْ السّمَاءِ وَالْقَحْطِ وَالْجَدْبِ وَجَعَلَ ظُلْمَ الْمَسَاكِينِ وَالْبَخْسَ فِي الْمَكَايِيلِ وَالْمَوَازِينِ وَتَعَدّي الْقَوِيّ عَلَى الضّعِيفِ سَبَبًا لِجَوْرِ الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ الّذِينَ لَا يَرْحَمُونَ إنْ اُسْتُرْحِمُوا وَلَا يَعْطِفُونَ إنْ اُسْتُعْطِفُوا وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ أَعْمَالُ الرّعَايَا ظَهَرَتْ فِي صُوَرِ وُلَاتِهِمْ جَائِرِينَ وَتَارَةً بِأَمْرَاضٍ عَامّةٍ وَتَارَةً بِهُمُومٍ وَآلَامٍ وَغُمُومٍ تُحْضِرُهَا نُفُوسُهُمْ لَا يَنْفَكّونَ عَنْهَا وَتَارَةً بِمَنْعِ بَرَكَاتِ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَنْهُمْ وَتَارَةً بِتَسْلِيطِ الشّيَاطِينِ عَلَيْهِمْ تَؤُزّهُمْ إلَى أَسْبَابِ الْعَذَابِ أَزّا لِتَحِقّ عَلَيْهِمْ الْكَلِمَةُ وَلِيَصِيرَ كُلّ مِنْهُمْ إلَى مَا خُلِقَ لَهُ وَالْعَاقِلُ يُسَيّرُ بَصِيرَتَهُ بَيْنَ أَقْطَارِ الْعَالَمِ فَيُشَاهِدُهُ وَيَنْظُرُ مَوَاقِعَ عَدْلِ اللّهِ وَحِكْمَتِهِ وَحِينَئِذٍ يَتَبَيّنُ لَهُ أَنّ الرّسُلَ وَأَتْبَاعَهُمْ خَاصّةً عَلَى سَبِيلِ النّجَاةِ وَسَائِرُ الْخَلْقِ عَلَى سَبِيلِ الْهَلَاكِ سَائِرُونَ وَإِلَى دَارِ الْبَوَارِ صَائِرُونَ وَاللّهُ بَالِغٌ أَمْرَهُ لَا مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ وَلَا رَادّ لِأَمْرِهِ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ..مَعْنَى «مَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ»: وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْكَمْأَةِ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: أَنّ مَاءَهَا يُخْلَطُ فِي الْأَدْوِيَةِ الّتِي يُعَالَجُ بِهَا الْعَيْنُ لَا أَنّهُ يُسْتَعْمَلُ وَحْدَهُ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ.الثّانِي: أَنّهُ يُسْتَعْمَلُ بَحْتًا بَعْدَ شَيّهَا وَاسْتِقْطَارِ مَائِهَا لِأَنّ النّارَ تُلَطّفُهُ وَتُنْضِجُهُ وَتُذِيبُ فَضَلَاتِهِ وَرُطُوبَتَهُ الْمُؤْذِيَةَ وَتُبْقِي الْمَنَافِعَ.الثّالِثُ أَنّ الْمُرَادَ بِمَائِهَا الْمَاءُ الّذِي يَحْدُثُ بِهِ مِنْ الْمَطَرِ وَهُوَ أَوّلُ قَطْرٍ يَنْزِلُ إلَى الْأَرْضِ فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ إضَافَةَ اقْتِرَانٍ لَا إضَافَةَ جُزْءٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيّ وَهُوَ أَبْعَدُ الْوُجُوهِ وَأَضْعَفُهَا. وَقِيلَ إنْ اُسْتُعْمِلَ مَاؤُهَا لِتَبْرِيدِ مَا فِي الْعَيْنِ فَمَاؤُهَا مُجَرّدًا شِفَاءٌ إنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَمُرَكّبٌ مَعَ غَيْرِهِ. وَقَالَ الْغَافِقِيّ: مَاءُ الْكَمْأَةِ أَصْلَحُ الْأَدْوِيَةِ لِلْعَيْنِ إذَا عُجِنَ بِهِ الْإِثْمِدُ وَاكْتُحِلَ بِهِ وَيُقَوّي أَجْفَانَهَا وَيَزِيدُ الرّوحَ الْبَاصِرَةَ قُوّةً وَحِدّةً وَيَدْفَعُ عَنْهَا نُزُولَ النّوَازِلِ..كَبَاثٌ: فِي الصّحِيحَيْنِ: مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَجْنِي الْكَبَاثَ فَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ مِنْهُ فَإِنّهُ أَطْيَبُهُ. الْكَبَاثُ بِفَتْحِ الْكَافّ وَالْبَاءِ الْمُوَحّدَةِ الْمُخَفّفَةِ وَالثّاءِ الْمُثَلّثَةِ- ثَمَرُ الْأَرَاكِ وَهُوَ بِأَرْضِ الْحِجَازِ وَطَبْعُهُ حَارّ يَابِسٌ وَمَنَافِعُهُ كَمَنَافِعِ الْأَرَاكِ يُقَوّي الْمَعِدَةَ وَيُجِيدُ الْهَضْمَ وَيَجْلُو الْبَلْغَمَ وَيَنْفَعُ مِنْ أَوْجَاعِ الظّهْرِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَدْوَاءِ. قَالَ ابْنُ جُلْجُلٍ إذَا شُرِبَ طَحِينُهُ أَدَرّ الْبَوْلَ وَنَقّى الْمَثَانَةَ وَقَالَ ابْنُ رِضْوَانَ يُقَوّي الْمَعِدَةَ وَيُمْسِكُ الطّبِيعَةَ..كَتَم: رَوَى الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحِهِ: عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْن مَوْهِبٍ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا فَأَخْرَجَتْ إلَيْنَا شَعْرًا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِذَا هُوَ مَخْضُوبٌ بِالْحِنّاءِ وَالْكَتَمِ. وَفِي السّنَنِ الْأَرْبَعَةِ: عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ إنّ أَحْسَنَ مَا غَيّرْتُمْ بِهِ الشّيْبَ الْحِنّاءُ وَالْكَتَمُ. وَفِي الصّحِيحَيْنِ: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ أَبَا بَكْر رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ اخْتَضَبَ بِالْحِنّاءِ وَالْكَتَمِ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا مَرّ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلٌ قَدْ خَضَبَ بِالْحِنّاءِ فَقَالَ مَا أَحْسَنَ هَذَا؟ فَمَرّ آخَرُ قَدْ خَضَبَ بِالْحِنّاءِ وَالْكَتَمِ فَقَالَ هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا فَمَرّ آخَرُ قَدْ خَضَبَ بِالصّفْرَةِ فَقَالَ هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلّهِ. قَالَ الْغَافِقِيّ الْكَتَمُ نَبْتٌ يَنْبُتُ بِالسّهُولِ وَرَقُهُ قَرِيبٌ مِنْ وَرَقِ الزّيْتُونِ يَعْلُو فَوْقَ الْقَامَةِ وَلَهُ ثَمَرٌ قَدْرَ حَبّ الْفُلْفُلِ فِي دَاخِلِهِ نَوًى إذَا رُضِخَ اسْوَدّ وَإِذَا اُسْتُخْرِجَتْ عُصَارَةُ وَرَقِهِ وَشُرِبَ مِنْهَا قَدْرُ أُوقِيّةٍ قَيّأَ قَيْئًا شَدِيدًا وَيَنْفَعُ عَنْ عَضّةِ الْكَلْبِ وَأَصْلُهُ إذَا طُبِخَ بِالْمَاءِ كَانَ مِنْهُ مِدَادٌ يُكْتَبُ بِهِ. وَقَالَ الْكِنْدِيّ بَزْرُ الْكَتَمِ إذَا اُكْتُحِلَ بِهِ حَلّلَ الْمَاءَ النّازِلَ فِي الْعَيْنِ وَأَبْرَأَهَا. وَقَدْ ظَنّ بَعْضُ النّاسِ أَنّ الْكَتَمَ هُوَ الْوَسْمَةُ وَهِيَ وَرَقُ النّيلِ وَهَذَا وَهْمٌ فَإِنّ الْوَسْمَةَ غَيْرُ الْكَتَمِ. قَالَ صَاحِبُ الصّحَاحِ: الْكَتَمُ بِالتّحْرِيكِ نَبْتٌ يُخْلَطُ بِالْوَسْمَةِ يُخْتَضَبُ بِهِ قِيلَ وَالْوَسْمَةُ نَبَاتٌ لَهُ وَرَقٌ طَوِيلٌ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إلَى الزّرْقَةِ أَكْبَرُ مِنْ وَرَقِ الْخِلَافِ يُشْبِهُ وَرَقَ اللّوبِيَا وَأَكْبَرُ مِنْهُ يُؤْتَى بِهِ مِنْ الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ..هَلْ اخْتَضَبَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؟ فَإِنْ قِيلَ قَدْ ثَبَتَ فِي الصّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ لَمْ يَخْتَضِبْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قِيلَ قَدْ أَجَابَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا وَقَالَ قَدْ شَهِدَ بِهِ غَيْرُ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ خَضَبَ وَلَيْسَ مَنْ شَهِدَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ فَأَحْمَدُ أَثْبَتَ خِضَابَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحَدّثِينَ وَمَالِكٌ أَنْكَرَهُ. فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ ثَبَتَ صَحِيحِ مُسْلِمٍ النّهْيُ عَنْ الْخِضَابِ بِالسّوَادِ فِي شَأْنِ أَبِي قُحَافَةَ لَمّا أُتِيَ بِهِ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثّغَامَةِ بَيَاضًا فَقَالَ غَيّرُوا هَذَا الشّيْبَ وَجَنّبُوهُ السّوَادَ. وَالْكَتَمُ يُسَوّدُ الشّعْرَ..حُكْمُ الْخِضَابِ بِالسّوَادِ: فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنّ النّهْيَ عَنْ التّسْوِيدِ الْبَحْتِ فَأَمّا إذَا أُضِيفَ إلَى الْحِنّاءِ شَيْءٌ آخَرُ كَالْكَتَمِ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَإِنّ الْكَتَمَ وَالْحِنّاءَ يَجْعَلُ الشّعْرَ بَيْنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ بِخِلَافِ الْوَسْمَةِ فَإِنّهَا تَجْعَلُهُ أَسْوَدَ فَاحِمًا وَهَذَا أَصَحّ الْجَوَابَيْنِ. الْجَوَابُ الثّانِي: أَنّ الْخِضَابَ بِالسّوَادِ الْمَنْهِيّ عَنْهُ خِضَابُ التّدْلِيسِ كَخِضَابِ شَعْرِ الْجَارِيَةِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ تَغُرّ الزّوْجَ وَالسّيّدَ بِذَلِكَ وَخِضَابِ الشّيْخِ يَغُرّ الْمَرْأَةَ بِذَلِكَ فَإِنّهُ مِنْ الْغِشّ وَالْخِدَاعِ فَأَمّا إذَا لَمْ يَتَضَمّنْ تَدْلِيسًا وَلَا خِدَاعًا فَقَدْ صَحّ عَنْ الْحَسَن وَالْحُسَيْن رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّهُمَا كَانَا يَخْضِبَانِ بِالسّوَادِ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِير عَنْهُمَا فِي كِتَابِ تَهْذِيبُ الْآثَارِ وَذَكَرَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَحَكَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التّابِعِينَ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ وَعَلِيّ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَد وَمُوسَى بْنُ طَلْحَةَ وَالزّهْرِيّ وَأَيّوبُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيّ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ وَيَزِيدَ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَبِي إسْحَاقَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَزِيَادِ بْنِ عَلَاقَةَ وَغِيلَانَ بْنِ جَامِعٍ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَمْرِو بْنِ عَلِيّ الْمُقَدّمِيّ وَالْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ..كَرْمٌ: شَجَرَةُ الْعِنَبِ وَهِيَ الْحَبَلَةُ وَيُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا كَرْمًا لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ لَا يَقُولَنّ أَحَدُكُمْ لِلْعِنَبِ الْكَرْمَ. الْكَرْمُ الرّجُلُ الْمُسْلِمُ. وَفِي رِوَايَةٍ إنّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ وَفِي أُخْرَى: لَا تَقُولُوا: الْكَرْمُ وَقُولُوا: الْعِنَبُ وَالْحَبَلَةُ..عِلّةُ النّهْيِ عَنْ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْمًا: وَفِي هَذَا مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا: أَنّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُسَمّي شَجَرَةَ الْعِنَبِ الْكَرْمَ لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهَا وَخَيْرِهَا فَكَرِهَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَسْمِيَتَهَا بِاسْمٍ يُهَيّجُ النّفُوسَ عَلَى مَحَبّتِهَا وَمَحَبّةِ مَا يُتّخَذُ مِنْهَا مِنْ الْمُسْكِرِ وَهُوَ أُمّ الْخَبَائِثِ فَكَرِهَ أَنْ يُسَمّى أَصْلُهُ بِأَحْسَنِ الْأَسْمَاءِ وَأَجْمَعِهَا لِلْخَيْرِ.وَالثّانِي: أَنّهُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ لَيْسَ الشّدِيدُ بِالصّرْعَة. وَلَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطّوّافِ. أَيْ أَنّكُمْ تُسَمّونَ شَجَرَةَ الْعِنَبِ كَرْمًا لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ وَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ أَوْ الرّجُلِ الْمُسْلِمِ أَوْلَى بِهَذَا الِاسْمِ مِنْهُ فَإِنّ الْمُؤْمِنَ خَيْرٌ كُلّهُ وَالْإِيمَانِ وَالنّورِ وَالْهُدَى وَالتّقْوَى وَالصّفَاتِ الّتِي يَسْتَحِقّ بِهَا هَذَا الِاسْمَ أَكْثَرَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْحَبَلَةِ لَهُ. وَبَعْدُ فَقُوّةُ الْحَبَلَةِ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ وَوَرَقُهَا وَعَلَائِقُهَا وَعُرْمُوشُهَا مُبَرّدٌ فِي آخِرِ الدّرَجَةِ الْأُولَى وَإِذَا دُقّتْ وَضُمّدَ بِهَا مِنْ الصّدَاعِ سَكّنَتْهُ وَمِنْ الْأَوْرَامِ الْحَارّةِ وَالْتِهَابِ الْمَعِدَةِ. وَعُصَارَةُ قُضْبَانِهِ إذَا شُرِبَتْ سَكّنَتْ الْقَيْءَ وَعَقَلَتْ الْبَطْنَ وَكَذَلِكَ إذَا مُضِغَتْ قُلُوبُهَا الرّطْبَةُ. وَعُصَارَةُ وَرَقِهَا تَنْفَعُ مِنْ قُرُوحِ الْأَمْعَاءِ وَنَفْثِ الدّمِ وَقَيْئِهِ وَوَجَعِ الْمَعِدَةِ وَدَمْعُ شَجَرِهِ الّذِي يُحْمَلُ عَلَى الْقَضْبَانِ كَالصّمْغِ إذَا شُرِبَ أَخْرَجَ الْحَصَاةَ وَإِذَا لُطّخَ بِهِ أَبْرَأَ الْقُوَبَ وَالْجَرَبَ الْمُتَقَرّحَ وَغَيْرَهُ وَيَنْبَغِي غَسْلُ الْعُضْوِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا بِالْمَاءِ وَالنّطْرُونِ وَإِذَا تُمُسّحَ بِهَا مَعَ الزّيْتِ حَلَقَ الشّعْرَ وَرَمَادُ قُضْبَانِهِ إذَا تُضُمّدَ بِهِ مَعَ الْخَلّ وَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالسّذَابِ نَفَعَ مِنْ الْوَرَمِ الْعَارِضِ فِي الطّحَالِ وَقُوّةُ دُهْنِ زُهْرَةِ الْكَرْمِ قَابِضَةٌ شَبِيهَةٌ بِقُوّةِ دُهْنِ الْوَرْدِ وَمَنَافِعُهَا كَثِيرَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ مَنَافِعَ النّخْلَةِ..كَرَفْسٌ: رُوِيَ فِي حَدِيثٍ لَا يَصِحّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَنْ أَكَلَهُ ثُمّ نَامَ عَلَيْهِ نَامَ وَنَكْهَتُهُ طَيّبَةٌ وَيَنَامُ آمِنًا مِنْ وَجَعِ الْأَضْرَاسِ وَالْأَسْنَانِ وَهَذَا بَاطِلٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَكِنّ الْبُسْتَانِيّ مِنْهُ يُطَيّبُ النّكْهَةَ جِدّا وَإِذَا عُلّقَ أَصْلُهُ فِي الرّقَبَةِ نَفَعَ مِنْ وَجَعِ الْأَسْنَانِ. وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ وَقِيلَ رَطْبٌ مُفَتّحٌ لِسُدَادِ الْكَبِدِ وَالطّحَالِ وَوَرَقُهُ رَطْبًا يَنْفَعُ الْمَعِدَةَ وَالْكَبِدَ الْبَارِدَةَ وَيُدِرّ الْبَوْلَ وَالطّمْثَ وَيُفَتّتُ الْحَصَاةَ وَحَبّهُ أَقْوَى فِي ذَلِكَ وَيُهَيّجُ الْبَاهَ وَيَنْفَعُ مِنْ الْبَخْرِ. قَالَ الرّازِيّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ أَكْلُهُ إذَا خِيفَ مِنْ لَدْغِ الْعَقَارِبِ..كُرّاثٌ: فِيهِ حَدِيثٌ لَا يَصِحّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ هُوَ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ مَنْ أَكَلَ الْكُرّاثَ ثُمّ نَامَ عَلَيْهِ نَامَ آمِنًا مِنْ رِيحِ الْبَوَاسِيرِ وَاعْتَزَلَهُ الْمَلَكُ لِنَتْنِ نَكْهَتِهِ حَتّى يُصْبِحَ. وَهُوَ نَوْعَانِ نَبَطِيّ وَشَامِيّ فَالنّبَطِيّ الْبَقْلُ الّذِي يُوضَعُ عَلَى الْمَائِدَةِ. وَالشّامِيّ الّذِي لَهُ رُءُوسٌ وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ مُصَدّعٌ وَإِذَا طُبِخَ وَأُكِلَ أَوْ شُرِبَ مَاؤُهُ نَفَعَ مِنْ الْبَوَاسِيرِ الْبَارِدَةِ. وَإِنْ سُحِقَ بِزْرُهُ وَعُجِنَ بِقَطْرَانٍ وَبُخّرَتْ بِهِ الْأَضْرَاسُ الّتِي فِيهَا الدّودُ نَثَرَهَا وَأَخْرَجَهَا وَيُسَكّنُ الْوَجَعَ الْعَارِضَ فِيهَا وَإِذَا دُخّنَتْ الْمَقْعَدَةُ بِبِزْرِهِ خَفّتْ الْبَوَاسِيرُ هَذَا كُلّهُ فِي الْكُرّاثِ النّبَطِيّ. وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ فَسَادُ الْأَسْنَانِ وَاللّثَةِ وَيُصَدّعُ وَيُرِي أَحْلَامًا رَدِيئَةً وَيُظْلِمُ الْبَصَرَ وينتن النكهة، وفيه إدرار للبول والطمث، وتحريك للباه، وهو بطيئ الهضم..حَرْفُ الْلاَم: .لَحْمٌ: قَالَ اللّهُ تَعَالَى: {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمّا يَشْتَهُونَ} [الطّورُ 22]. وَقَالَ: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمّا يَشْتَهُونَ} [الْوَاقِعَةُ 21]. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدّرْدَاءِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيّدُ طَعَامِ أَهْلِ الدّنْيَا وَأَهْلِ الْجَنّةِ اللّحْمُ وَمِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ يَرْفَعُهُ خَيْرُ الْإِدَامِ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللّحْمُ وَفِي الصّحِيحِ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَضْلُ عَائِشَة عَلَى النّسَاءِ كَفَضْلِ الثّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطّعَامِ وَالثّرِيدُ الْخُبْزُ وَاللّحْمُ قَالَ الشّاعِرُ:وَقَالَ الزّهْرِيّ: أَكْلُ اللّحْمِ يَزِيدُ سَبْعِينَ قُوّةً. وَقَالَ مُحَمّدُ بْنُ وَاسِعٍ: اللّحْمُ يَزِيدُ فِي الْبَصَرِ وَيُرْوَى عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كُلُوا اللّحْمَ فَإِنّهُ يُصَفّي اللّوْنَ وَيُخْمِصُ الْبَطْنَ وَيُحَسّنُ الْخُلُقَ وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا كَانَ رَمَضَانُ لَمْ يَفُتْهُ اللّحْمُ وَإِذَا سَافَرَ لَمْ يَفُتْهُ اللّحْمُ وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيّ مَنْ تَرَكَهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً سَاءَ خُلُقُه وَأَمّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا الّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا: لَا تَقْطَعُوا اللّحْمَ بِالسّكّينِ فَإِنّهُ مِنْ صَنِيعِ الْأَعَاجِمِ وَانْهَسُوهُ فَإِنّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ فَرَدّهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِمَا صَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قَطْعِهِ بِالسّكّينِ فِي حَدِيثَيْنِ وَقَدْ تَقَدّمَا. وَاللّحْمُ أَجْنَاسٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ وَطَبَائِعِهِ فَنَذْكُرُ حُكْمَ كُلّ جِنْسٍ وَطَبْعَهُ وَمَنْفَعَتَهُ وَمَضَرّتَهُ.
|