الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من مجازات القرآن في السورة الكريمة: قال أبو عبيدة معمر بن المثنى:تفسير الآية رقم (1):بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.أمّ الكتاب:مجاز تفسير ما في سورة الحمد وهي أم الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف قبل سائر القرآن، ويبدأ بقراءتها قبل كلّ سورة في الصلاة وإنما سمّيت سورة لا تهمز، لأن مجازها من سورة البناء أي منزلة ثم منزلة، ومن همزها جعلها قطعة من القرآن، وسميت السورة لأنها مقطوعة من الأخرى، فلما قرن بعضها إلى بعض سمّى قرآنا. قال النّابغة:أي منزلة، وبعض العرب يهمز سورة، ويذهب إلى أسأرت. نقول: هذه ليست من تلك.فمجاز تفسير قوله: {بسم اللّه} مضمر، مجازه كأنك قلت: بسم اللّه قبل كل شيء وأول شيء ونحو ذلك، قال عبد اللّه بن رواحة: يقال: بدأت وبديت، وبعضهم يقول: بدينا لغة.{الرّحمن} مجازه ذو الرحمة، و{الرّحيم} مجازه الراحم، وقد يقدّرون اللفظين من لفظ واحد والمعنى واحد، وذلك لاتّساع الكلام عندهم، وقد فعلوا مثل ذلك فقالوا: ندمان ونديم، قال برج بن مسهر الطائىّ، جاهلى: وقال النعمان بن نضلة، عدوىّ من عدى قريش: وقال بريق الهذلىّ عدوىّ من عدى قريش: وقال حسّان بن ثابت: {رَبِّ الْعالَمِينَ} أي المخلوقين، قال لبيد بن ربيعة: وواحدهم عالم، وقال العجّاج: {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} نصب على النّداء، وقد تحذف ياء النداء، مجازه:يا {مالك يوم الدين}، لأنه يخاطب شاهدا، ألا تراه يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فهذه حجة لمن نصب، ومن جره قال: هما كلامان.{الدِّينِ} الحساب والجزاء، يقال في المثل: كما تدين تدان، وقال ابن نفيل: ومجاز من جرّ {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أنه حدث عن مخاطبة غائب، ثم رجع فخاطب شاهدا فقال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا} قال عنترة بن شدّاد العبسىّ: وقال أبو كبير الهذلىّ: ومجاز {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} إذا بدئ بكناية المفعول قبل الفعل جاز الكلام، فإن بدأت بالفعل لم يجز، كقولك: نعبد إياك، قال العجّاج: ولو بدأت بالفعل لم يجز كقولك: أدعو إيّاك، محال، فإن زدت الكناية في آخر الفعل جاز الكلام: أدعوك إياك.{الصِّراطَ} الطريق، المنهاج الواضح، قال: وقال جرير: والموارد: الطرق، ما وردت عليه من ماء، وكذلك القرىّ وقال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} مجازها: غير المغضوب عليهم والضالين، و{لا} من حروف الزوائد لتتميم الكلام، والمعنى إلقاؤها، وقال العجاج: أي في بئر خور أي هلكة، وقال أبو النجم: القفندر: القبيح الفاحش، أي فما ألوم البيض أن يسخرن، وقال: والمعنى: ويلحيننى في اللهو أن أحبه. وفى القرآن آية أخرى: {ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [7: 11] مجازها: ما منعك أن تسجد.: {وَلَا الضَّالِّينَ} {لا} تأكيد لأنه نفى، فأدخلت: {لا} لتوكيد النفي، تقول: جئت بلا خير ولا بركة، وليس عندك نفع ولا دفع.{اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم الذين هم سوى المغضوب عليهم} انتهى. تفسير أبى عبيدة: {غير} بسوى حكى عنه في اللسان: {غير} أيضا ولكنه لم يرد في النسخ التي في أيدينا وقد رد هذا التفسير على قائله في معاني القرآن للفراء دون التصريح باسمه.قال أبو خراش: .فصل في فوائد لغوية وإعرابية وبلاغية في جميع آيات السورة: .قال في الجدول في إعراب القرآن الكريم: سورة الفاتحة:.[سورة الفاتحة: آية 1]: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}..الإعراب: {بسم} جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر. والمبتدأ محذوف تقديره: ابتدائي: {اللّه} لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة.: {الرحمن} نعت للفظ الجلالة تبعه في الجر: {الرحيم} نعت ثان للفظ الجلالة تبعه في الجر..الصرف: {اسم} فيه إبدال، أصله سمو، حذف حرف العلة وهو لام الكلمة وأبدل عنه همزة الوصل. ودليل الواو جمعه على أسماء وأسامي، وتصغيره سمىّ. والأصل أسماو وأسامو وسموي، فجرى فيها الإعلال بالقلب.{اللّه}.. أصله الإلاه، نقلت حركة الهمزة إلى لام التعريف ثم سكنت وحذفت الألف الأولى لالتقاء الساكنين وأدغمت اللام في اللام الثانية..وحذفت الألف بعد اللام الثانية لكثرة الاستعمال. فالإله مصدر من أله يأله إذا عبد، والمصدر في موضع المفعول أي المعبود.{الرحمن} صفة مشتقة من صيغ المبالغة، وزنه فعلان من فعل رحم يرحم باب فرح.{الرحيم} صفة مشتقة من صيغ المبالغة، أو صفة مشبهة باسم الفاعل وزنه فعيل من فعل رحم يرحم..البلاغة: 1- التكرير: لقد كرّر اللّه سبحانه وتعالى ذكر الرحمن الرحيم لأن الرحمة هي الإنعام على المحتاج وقد ذكر المنعم دون المنعم عليهم فأعادها مع ذكرهم وقال: {ربّ العالمين الرحمن} بهم أجمعين.2- قدم سبحانه الرحمن على الرحيم مع أن الرحمن أبلغ من الرحيم، ومن عادة العرب في صفات المدح الترقي في الأدنى إلى الأعلى كقولهم: فلان عالم نحرير. وذلك لأنه اسم خاص باللّه تعالى كلفظ: {اللّه} ولأنه لما قال: {الرحمن} تناول جلائل النعم وعظائمها وأصولها، وأردفه: {الرحيم} كتتمة والرديف ليتناول ما دقّ منها ولطف. وما هو من جلائل النعم وعظائمها وأصولها أحق بالتقديم مما يدل على دقائقها وفروعها. وأفراد الوصفين الشريفين بالذكر لتحريك سلسلة الرحمة.فباسم اللّه تعالى تتم معاني الأشياء ومن مشكاة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} تشرق على صفحات الأكوان أنوار البهاء..الفوائد: البسملة:عني العلماء ببحث البسملة من سائر وجوهها، نخص منها بالذكر:1- اختلفوا حول كونها آية من كتاب اللّه أم لا، فابن مسعود ومالك والأحناف وقراء المدينة والبصرة والشام لا يرونها آية.وابن عباس وابن عمر والشافعي وقراء مكة والكوفة يرون أنها آية من كل سورة.2- نزلت البسملة مجزّأة: الجزء الأول في قوله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها} الثاني: في قوله: {ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ} الثالث في قوله: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}..[سورة الفاتحة: آية 2]: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2)}..الإعراب: {الحمد} مبتدأ مرفوع.: {للّه} جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ تقديره ثابت أو واجب.: {ربّ} نعت للفظ الجلالة تبعه في الجر وعلامة الجر الكسرة.: {العالمين} مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.وجملة: {الحمد للّه} لا محل لها ابتدائية..الصرف: {الحمد} مصدر سماعي لفعل حمد يحمد باب نصر وزنه فعل بفتح فسكون.{ربّ} مصدر يرب باب نصر، ثم استعمل صفة كعدل وخصم، وزنه فعل بفتح فسكون.{العالمين} جمع العالم، وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه، وهو مشتق إما من العلم بكسر العين أو من العلامة، وزنه فاعل بفتح العين، وكذلك جمعه..البلاغة: 1- إن جملة {الْحَمْدُ لِلَّهِ} خبر، لكنها استعملت لإنشاء الحمد وفائدة الجملة الاسمية ديمومة الحمد واستمراره وثباته. وفي قوله {للّه} فن الاختصاص للدلالة على أن جميع المحامد مختصة به سبحانه وتعالى.2- لما افتتح سبحانه وتعالى كتابه بالبسملة وهي نوع من الحمد ناسب أن يردفها بالحمد الكلي الجامع لجميع أفراده البالغ أقصى درجات الكمال.3- أما حمد اللّه تعالى نفسه فإنه إخبار باستحقاق الحمد وأمر به أو أنه مقول على ألسنة العباد، أو مجاز عن إظهار الصفات الكمالية الذي هو الغاية القصوى من الحمد.وقد قدم الحمد على الاسم الجليل لاقتضاء المقام فريد اهتمام به، وإن كان ذكر اللّه تعالى أهم في نفسه والأهمية تقتضي التقديم..الفوائد الإجمالية لسورة الفاتحة: الفاتحة: لا تكاد تحصى فوائدها نختار منها:1- نزل بها الوحي مرتين. الأولى في مكة عند ما فرضت الصلاة.الثانية في المدينة عند ما تحولت القبلة.2- للفاتحة أسماء عدة: فاتحة الكتاب، وأم القرآن، وأم الكتاب، وسورة الكنز، وسورة الحمد والشكر والدعاء، وسورة الصلاة وسورة الشفاء، والسبع المثاني.3- وقع أسلوب الالتفات خلال هذه السورة فقد بدأت بالحديث عن الغائب ثم تحولت إلى أسلوب الخطاب، وهذا ضرب من أضرب البلاغة الشائعة في كلام العرب.4- تشتمل الفاتحة على الكليات الأساسية في التصور الإسلامي، ولذلك فرض اللّه تكرارها في كل صلاة بل في كل ركعة، وقد ورد في حديث مسلم عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قوله: «يقول اللّه تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل: إذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} قال اللّه: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} قال اللّه: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: {مالِكِ يَوْمِ}. قال اللّه مجدني عبدي. وإذا قال: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}. قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل».
|